خالد بدير : واجبنا نحو أسر الشهداء يتلخص في أربعة واجبات
خالد بدير : واجبنا نحو أسر الشهداء يتلخص فيما يلي : –
أولاً: توفير الحياة الكريمة لأسر الشهداء: وذلك بتفقد أحوالهم وقضاء حوائجهم وتعويضهم عما فقدوه من الرعاية والكفالة؛ ولنا الأسوة في سلفنا الصالح رضي الله عنهم. فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ ، فَقَالَتْ : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ، هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا ، وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا ، وَلاَ لَهُمْ زَرْعٌ وَلاَ ضَرْعٌ ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الغِفَارِيِّ ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ ، ثُمَّ قَالَ :
مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا ، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا ، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : اقْتَادِيهِ ، فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ، أَكْثَرْتَ لَهَا ؟ قَالَ عُمَرُ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا ، قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ . ” ( البخاري ) .
فقد ضرب لنا أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – أروع الأمثلة في القيام بحق أسر الشهداء وتفقد أحوالهم .
ثانياً: تعويضهم فقدان الأب : وذلك بإظهار البشاشة لهم ؛ وقضاء بعض الأوقات معهم ؛ وهذا هو هدي نبينا صلى الله عليه وسلم؛ مع آل جعفر بن أبي طالب ؛ لما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم قائدًا في معركة “مؤتة”، ونال الشهادة بعد أن قطعت ذراعيه، وترك جعفر أولاده صغارًا، فتولى أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان كفيلهم بعد وفاة أبيهم.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نعى لأسماء زوجها جعفرًا، مسح على رأس عبد الله بن جعفر، وعيناه تهرقان الدموع حتى لحيته تقطر، ثم قال: اللهم إن جعفرًا قد قدم إلي أحسن الثواب، فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته! ثم قال: يا أسماء، ألا أبشرك؟ قالت: بأبي أنت وأمي! قال: فإن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة، قالت:
بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فأعلم الناس ذلك ؛ فقام صلى الله عليه وسلم وأخذ بيد عبد الله بن جعفر، يمسح بيديه رأس عبد الله حتى رقي المنبر، وأجلس عبد الله أمامه على الدرجة السفلى، والحزن يعرف عليه، فتكلم وقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه. ألا إن جعفرًا قد استشهد، وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة، ثم نزل، ودخل بيته وأمر بطعام يصنع لآل جعفر، وأرسل إلى أخي عبد الله بن جعفر فتغديا ؛ وأقاما ثلاثة أيام في بيته، يدوران معه في بيوت نسائه. ( إمتاع الأسماع – للمقريزي ) .
ثالثاً: الوفاء ورد الجميل :
فقد ضربَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ في الوفاءِ من المثالِ أجملَه، ومن النصيبِ أكملَه، ومن ردِّ الجميلِ أحسنَه وأعدلَه؛ ودلائل وفاء محمد صلى الله عليه وسلم لا تعد ولا تحصى ؛ فعن عائشة ، قالت : جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي ، فقال : لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أنت ؟ » قالت : أنا جثامة المزنية ، فقال :
« بل أنت حسانة المزنية ، كيف أنتم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتم بعدنا ؟ » قالت : بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فلما خرجت قلت : يا رسول الله ، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال ؟ فقال : « إنها كانت تأتينا زمن خديجة ، وإن حسن العهد من الإيمان » .(الحاكم وصححه ووافقه الذهبي) . قال النووي “في هذا كله دليلٌ لحُسن العهد وحفظ الوُدّ، ورعاية حُرمة الصاحب والعشير في حياته وبعد وفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب”.
فإذا كانت الشهادة قد فاتتنا ؛ فإنه ينبغي علينا أن نقوم بحق أسر الشهداء ورعايتهم :
وهذا يعد كأجر الشهادة في سبيل الله ؛ فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :” مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا ؛ وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا ” . ( متفق عليه ) . فأنت بكفالتك لأسرة شهيد يكون لك من الأجر مثل ما لذلك الشهيد؛ وهذا فضل عظيم من الله أن يجعل لنا باباً لنيل أجر الشهداء؛ حتى وإن منعنا عن الشهادة واللحاق بالجبهات مانع ؛ فلا يفوتنا أجر الشهداء .
رابعاً: الحفاظ على حرمات وأعراض أسر الشهداء : فنحن نرى أن النظرات تتجه إلى أسر الشهداء ولا سيما الأرامل من النساء ؛ فتكثر الشائعات حولهن ؛ أن فلانة كانت مع فلان ؛ وأن فلان يتردد على بيت فلانة ؛ وأن فلانة تركت بيتها وتزوجت بفلان ؛ وكثير من القيل والقال ! فهل هذا هو رد الجميل والعرفان لأسر الشهداء الذين أصبحوا أيتاماً وأرامل فضلاً عن كونهم من ضحوا رجالاً ونساء من أجلنا..؟!!
أيها المسلمون: يجب عليكم أن تقوموا بحق أسر الشهداء بالرعاية المادية والمعنوية ؛ فقد ضحى أرباب هذه الأسر بدمائهم وأرواحهم من أجل حمايتكم وأمنكم واستقراركم ؛ فكونوا على قدر المسئولية؛ وردوا لهم الجميل في أسرهم ؛ واحفظوا عليهم أولادهم وأسرهم ؛ لنكون جميعاً أوفياء ؛ وفي الحياة جميعاً سعداء ؛ وفي الآخرة مع حبيبنا المصطفى والنبيين رفقاء .
نسأل الله أن يحفظ مصرنا من كل مكروه وسوء ؛ وأن يرزقنا عيش السعداء، وميتة الشهداء، ومرافقة الأنبياء …..